30 - 04 - 2025

صباحيات | ثقافة مؤسسية آن الأوان لتصحيحها

صباحيات | ثقافة مؤسسية آن الأوان لتصحيحها

نشر الصديق العزيز الأستاذ عبد العظيم حماد على صفحته تدوينة بعنوان "سادة وحرافيش" تعليقاً على حادث مدينة الفردوس بمحافظة الجيزة المتداول على شبكات التواصل الاجتماعي، نشر فيه حوارا مع صديق له وهو مسؤول سابق في مؤسسة أمنية، ويكشف الحوار رؤية المسؤول السابق والتي تشير إلى أنه عمل في مؤسسة لا تراعي القانون في ممارساتها، أو لنقل إنها مؤسسة يظن العاملون والمسؤولون فيها أنهم "فوق القانون". في التعليقات على التدوينة روى المعلقين قصصاً مشابهة. توقفت عند قصة مؤلمة وقعت قبل يومين في منطقة المقطم بالقاهرة، ورواها الصديق العزيز إلهامي الميرغني، عن ضابط جيش أطلق من مسدسه ثلاث رصاصات على جار له تحداه ولم يأخذ تهديد الضابط له بالقتل على محمل الجد وركن سيارته في المكان ذاته. لم تقتل الرصاصات الثلاث الجار وإنما أصابته إحداها في ساقه. 

وتعكس معظم القصص الشبيهة المؤلمة أننا أمام مشكلة خطيرة، إذا لم تتخذ إجراءات رادعة وتدابير احترازية ضد مسؤولين سابقين في الهيئات السيادية، على أصحاب السيادية الأصليين وهموم عموم المواطنين الذين وقع بعضهم ضحايا لبعض أصحاب المناصب والمسؤولين ضعاف النفوس، الملاحظة التي أبداها الأستاذ حماد وبعض من علقوا على التدوينة أو قاموا بإعادة نشرها هي أن هؤلاء المسؤولين تعاملوا مع غيرهم الناس العاديين تعامل السادة مع العبيد الموروثة من عصر المماليك، ذكرتني هذه الملاحظة بتدوينة كتبها قبل سنوات الصديق العزيز شريف العصفوري عن إرث المماليك الطويل والممتد في ثقافتنا الوطنية والذي لا يزال يفرض نفسه علينا.. يوصف نمط الحكم والتنظيم الاجتماعي لمرحلة المماليك بأنها "إقطاع عسكري". في ظل هذا النمط يكون للسادة كل الحقوق على الأقنان (العبيد)، بما في ذلك الحق في سجنهم أو في قتلهم. والمماليك ليس طبقة اجتماعية الانتماء إليها متوارث بالضرورة، وإنما هو شكل من أشكال الانتماء المؤسسي المكتسب نتيجة لانتماء الشخص لإحدى المؤسسات السيادية هذه. السؤال الذي تطرحه التدوينة والتعليقات، من أين جاء هذا الادعاء بالتفوق، ولماذا يتصرف هؤلاء، حتى خارج حدود وظيفتهم، بل وبعد تقاعدهم، كما لو كانوا فوق القانون؟

إن هذه القصص تؤكد ما ذهبت إليه مراراً في المقالات والتدوينات من خلل التوازن في العلاقة بين الدولة وبين المجتمع في مصر، بسبب مركزية فكرة الدولة في أذهان كثير من المصريين، حُكَّاماً ومحكومين، وضعف فكرة القانون والاستهانة بالدستور وعدم احترامه. فلم تترسخ في مصر بشكل كاف، وبالتالي لم يرتبط مفهوم "السيادة" في مصر بفكرة القانون ولم ينظر إلى أن المواطنين هم أصحاب الحق الأصيل في السيادة. في ظل هذا الغياب للقانون وتركيز السيادة في عدد من المؤسسات، تشكلت ثقافة الاستعلاء والتميز، نتيجة للحماية التي توفرها المؤسسة للمنتسبين إليها والتي تحصنهم ضد المساءلة والمحاسبة على سلوكهم وما فيه من اعتداء على حقوق طبيعية للناس، في مقدمتها حق الحياة، وعلى كرامتهم وحقوقهم المكتسبة بموجب القوانين والتشريعات والمواثيق والعهود الدولية. هذه الثقافة لا تقتصر على المنتسبين لهذه المؤسسات وحدهم وإنما باتت مترسخة في أذهان قطاعات أوسع من الناس الذين يلجأون للمنتسبين لهذه المؤسسات لتسهيل حصولهم على ما يشاؤون سواء كان هذا حقاَ لهم أم لا.

على الرغم من الإجراءات التي تتخذ في عدد من الحالات لمحاسبة المنتهكين للحقوق والذين يتصورون أنهم فوق القانون وبمنأى عن أي مساءلة أو محاسبة. لكن من يقوم بهذه المهمة، إذا كانت الانتهاكات تصدر عن مؤسسات ترسخت فيها ممارسات لا تحترم القانون أو يجري تطويع القوانين والتشريعات لحماية العاملين فيها، على غرار ما حدث في التعديل الذي أدخل بعد عام 2013 الذي يتيح لأجهزة الأمن الاعتقال لأجل مسمى، أو كما يحدث في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد. لا تقف المشكلة عند هذا الحد وإنما تمتد إلى نظرة هؤلاء السادة للعبيد وفكرتهم عن أن منح هؤلاء العبيد حقوقاً وضمانات قانونية قد يسلب حقوقهم أو يقلل من قدرتهم على ممارسة الحكم. 

النتيجة، أننا نعيش في حالة من الفوضى قد تحول الحياة إلى غابة مع تزايد اقتناع الناس بأن القانون لا يحمي لهم حقاً ولا يجلب منفعة ترجى.. لقد أصبح العمل على ترسيخ مبدأ أن المواطن هو صاحب الحق الأصيل في السيادة وترسيخ فكرة احترام الدستور وسيادة القانون على من يشغل المناصب العامة، وأن الصلاحيات التي يتمتعون بها إنما هي لتسهيل ممارستهم لوظائفهم ولا يجوز استخدامها إلا لهذا الغرض، وتأكيد أن إساءة استخدام هذه الصلاحيات هو شكل من أشكال الفساد التي يتعين التصدي لها ومحاسبة المتورط في مثل هذا السلوك المشين، وتأكيد فكرة المساواة أمام القانون، وأنه لا يوجد شخص محصن في مواجهة القانون إما لمكانته الاجتماعية أو بسبب وظيفته ومنصبه العام. قد لا يملك عموم الناس الوسائل والأدوات لفرض احترام القانون وسيادته، لكن لا يزال في مقدورهم فضح ممارسي هذه السلوكيات، وألا ترهبهم عبارة "انت مش عارف أنا مين؟" وفضح مثل هذه السلوكيات واستهجانها على نطاق واسع.  
--------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

انتخابات الصحفيين 2025 | المؤسسات والجمعية العمومية للنقابة